سيدة تركب دراجة نارية في أحد شوارع مراكش- صورة ملتقطة بعدسة عبد الرحمان المختاري
سيدة تركب دراجة نارية في أحد شوارع مراكش- صورة ملتقطة بعدسة عبد الرحمان المختاري | Source: Courtesy Photo

جموع من النساء يركبن دراجات نارية سواء في الشوارع الحديثة الواسعة أو الأزقة الضيقة، بعضهن يرتدين أزياء تقليدية وأخريات أزياء عصرية، نساء من أعمار ومستويات اجتماعية وتعليمية مختلفة ومتفاوتة يؤثثن فضاء مدينة #مراكش ويقدن مختلف أنواع الدرجات النارية.

تلك صورة من بعض ما يجده زائر مدينة مراكش المغربية أو كما يسميها المغاربة "المدينة الحمراء"، التي تعني بالأمازيغية "أرض الله"، والتي أصبحت مقصد الكثيرين ليس من المغاربة فقط بل حتى من المشاهير الأجانب والعرب الذين اختار بعضهم الاستقرار فيها والعيش في رياضاتها وبين سكانها.

وتحتفظ مراكش التي تلقب أيضا بـ"مدينة النخيل"، بالكثير من الأسرار والتقاليد ولعل أهم ما يشد انتباه زوارها هو الانتشار الكثيف للدراجات الهوائية والنارية وقيادة النساء لها، في مشهد نادر يجمع بين الحداثة والتقليد ويعطي للمدينة طابعا خاصا وفريدا.

النساء يكدن يكنّ غالبية سائقي الدراجات خاصة النارية منها
عبد الكبير الميناوي

​​
وقالت الشابة المراكشية إلهام الإدريسي، التي تقود دراجة نارية منذ سنوات، إن سكان مدينتها بصفة عامة يعتمدون على الدراجات النارية أكثر من السيارات للتنقل وقضاء حاجياتهم.

وأوضح الأستاذ الجامعي عبد الكبير الميناوي لموقع "الحرة" أن النساء يكدن يكنّ غالبية سائقي الدراجات خاصة النارية منها، حتى أصبح الواقع ظاهرة يتعجب منها الزوار العرب والغربيون على حد سواء، مشيرا إلى أن علاقة المرأة المراكشية بالدراجة يبرز شخصيتها ويبين مدى قدرتها على فرض ذاتها والنزول إلى الشارع العام خلافا لكل الأفكار المسبقة التي ظلت تربطها بـعالم "الحريم"، حسب تعبيره.

علاقة ليست وليدة اليوم

لكن قيادة نساء مراكش للدراجات النارية ليست حديثة العهد، بل ترجع إلى عقود ماضية. وقال الميناوي إن الأمر يتعلق، حسب الباحث عبد الصمد الكباص، بـ"تأثير تاريخ تواصل لأزيد من 60 سنة أصبح فيه ركوب النساء للدراجات في المدينة الحمراء عادة مألوفة لا تثير أدنى دهشة".

وأضاف نفلا عن الكباص أنه خلال عهد الحماية الفرنسية ما بين 1912 و1956، كان بعض

سيدة تركب دراجة نارية في أحد شوارع مراكش- صورة ملتقطة بعدسة عبد الرحمان المختاري

​​النسوة اللائي يشتغلن في بيوت المستعمرين يستعملن الدراجات للتنقل من عمق المدينة العتيقة إلى الحي الفرنسي الذي شيدته سلطات الحماية في منطقة غليز، مشيرا إلى أن أولئك النسوة كنّ مميزات بجلابيبهن الفضفاضة المتوجة بغطاء للرأس يسمى "القبّ".

وبعد تلك الفترة، أصبحت التلميذات وبعض الموظفات لدى الدولة يتجاسرن على ركوب الدراجة، من دون أن يثير ذلك انزعاج أو اندهاش أحد من السكان، بل كان الآباء يسارعون إلى اقتناء دراجات لبناتهم لضمان وسيلة نقل آمنة لهن، حسب الكباص.

قبول تام في المجتمع

وأكدت الإدريسي أن المرأة التي تقود دراجة نارية "تعامل بشكل عادي مثلها مثل الرجل"، ولا تتعرض لمضايقات إذ لا ينظر لاعتمادها على هذه الوسيلة للتنقل على أنه أمر غريب.

وترجع النظرة الإيجابية التي يوليها المراكشيون لركوب النساء للدراجات النارية بمختلف أشكالها وأحجامها، إلى عاملين أساسيين، وفق  الميناوي. أولهما قدرة نساء المدينة على فرض شخصيتهن ومكانتهن داخل النسيج المراكشي، وثانيهما اقتناع أقاربهن من الذكور بالقيمة المضافة التي تمثلها الدراجة ودورها في حياة الأفراد والأسر سواء عند التنقل للعمل أو لقضاء أغراض العائلة خارج البيت.

وبحسب الميناوي فإن آراء سكان مراكش تميل إلى تقبل ظاهرة ركوب بنات المدينة للدراجات، إذ يعتبرونها من ضروريات الحياة المعاصرة التي دفعت بالمرأة لتحمل أعباء المسؤوليات الإضافية

سكان مراكش يعتبرون أن ركوب بنات المدينة للدراجات من ضروريات الحياة المعاصرة
عبد الكبير الميناوي

​​خارج البيت.

وبينما تفضل النساء ركوب الدراجات النارية، فإن الرجال يركبون الدراجات النارية عند الاستعجال أو للركوب الجماعي، والهوائية للتجول وممارسة الرياضة، وفق الميناوي.

أكثر من 250 ألف دراجة

واليوم ما من بيت في مراكش يخلو من دراجة هوائية أو نارية واحدة على الأقل. وفال الميناوي إن عددها يقدر بأكثر من 200 ألف دراجة نارية التي يطلق عليها المراكشيون اسم "الموتور" وأكثر من 50 ألف دراجة هوائية التي تعرف محليا بـ"البيكشليت"، وفق أرقام رسمية حديثة.

وتشمل شعبية الدراجات بشتى أحجامها وأشكالها بين المراكشيين مختلف طبقات المجتمع وأعمار أفراده، وقال الميناوي إن انبساط المدينة وهدوء وسلاسة دروبها وأزقتها، ساهم في انسجام تام بين ركاب الدراجات النارية والهوائية مع معمار وروح المدينة الحمراء.

وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية في الآونة الأخيرة صور التقطها المصور البريطاني من أصل مغربي حسن حجاج لشابات مراكشيات في جلابيب تقليدية ألوانها زاهية يمتطين دراجاتهن النارية. وتعرض صور الفنان  التي تحمل عنوان "Kesh Angels" أي "ملائكة مراكش"، في متحف Taymour Grahne في نيويورك إلى غاية الثامن من آذار/مارس.

وهذا فيديو نشر على موقع تويتر لفوضى السير في إحدى مناطق المدينة:

​​
انتشار وكالات كراء الدراجات

ولم تعد علاقة مراكش بالدراجات حكرا على سكانها، فقد أصبح للسياح والمقيمين الأجانب ذكورا وإناثا، نصيب من هذا الاختيار.

وقال الميناوي إن وكالات متخصصة في كراء الدراجات بمختلف أنواعها وأشكالها باتت منتشرة في محاور طرق المدينة وساحاتها.

ولعل الأكثر إثارة في علاقة مراكش بالدراجات، وفق الميناوي، أن بعض الوكالات حاولت تسويق دراجة "سيغواي"، لكنها "فشلت" في اختراق السوق المراكشية.

وقال إن ذلك الصنف من الدراجات لا يقبل بأكثر من راكب، ولأن هذه الدراجة تدفع راكبها إلى التنقل بها واقفا، في الوقت الذي تمنح فيه الدراجات العادية للمراكشي والمراكشية، فرصة أن يحولها إلى مركبة تقله هو وعائلته وبضاعته، كما لو أنها سيارة بعجلتين، على حد تعبيره.

انبهار أجنبي بالظاهرة

وأبدى مصور أميركي من نيويورك يدعى كولا زار مراكش انبهاره بعلاقة المراكشيات والدراجات

إحدى الدراجات النارية كادت أن تدهسني عندما وصلت إلى المدينة الحمراء فصرخ قائدها "مرحبا بك في مراكش"
زائر أميركي

​​النارية، معربا عن استغرابه للظاهرة التي لا تنطبق على الصورة النمطية للنساء في البلدان العربية والإسلامية بصفة عامة.

وكتب كولا مقالا في موقع This is Africa قال فيه إن إحدى الدراجات النارية كادت أن تدهسه عندما وصل إلى المدينة الحمراء فصرخ قائدها "مرحبا بك في مراكش"، ليتبين له في ما بعد أن الشاب الأشقر شابة. ثم تنتبه بعد ذلك إلى أن الشارع تحتله دراجات نارية تركبها نساء من مختلف الأعمار يتراوح لباسهن بين التقليدي والعصري. وهذه بعض الصور لمراكشيات يقدن دراجات نارية.

وفي هذا الإطار قالت إلهام الإدريسي إن كثيرا من راكبي الدراجات النارية يخرقون قانون السير مثل التلاعب بين السيارات وعدم احترام إشارات الوقوف فضلا عن سياقتهم عكس الاتجاه أو في أزقة يمنع فيها المرور وطبعا يحدث ذلك عندما لا يوجد رجال أمن، حسب قولها.

وهذا فيديو لجولة في المدينة القديمة على متن دراجة نارية:

​​
وقال الميناوي  إن المراكشيين لم يتآلفوا ويتسامحوا مع قيادة نسائهم للدراجات فقط، بل ذهبوا لأبعد من ذلك وليولوا أمرهم للجنس اللطيف الذي يسيّر شؤون المدينة بكاملها، مشيرا إلى أربع نساء انتخبن لرئاسة أربعة مجالس في مراكش في سابقة على المستوى الجهوي والوطني هن فاطمة الزهراء المنصوري عمدة المدينة، وزكية المريني رئيسة مجلس مقاطعة جليز، وميلودة حازب رئيسة مجلس مقاطعة النخيل، وجميلة عفيف رئيسة مجلس عمالة (محافظة) مراكش.

يشار إلى أن المدينة المشهورة ببناياتها ذات اللون الأحمر حتى لا تعكس أشعة الشمس الحارة، أسست في عام 1062 وكانت عاصمة للمرابطين والموحدين والسعديين الذين حكموا المغرب في قرون سابقة.

مدينة الرباط
مدينة الرباط | Source: Courtesy Photo



أفاد تقرير لشبكة CNN  الأميركية أن العاصمة المغربية الرباط تعد واحدة من أكثر المدن التي تستقطب السياح الأجانب خلال العام الجاري.

وقالت الشبكة إنه بناء على معلومات جمعتها من وكالات سياحية وخبراء ومنظمات مختلفة حول الوجهات السياحية المفضلة في 2013، احتلت الرباط المرتبة الثانية من بين 12 مدينة سياحية أخرى بعد سكوتلندا بالمملكة المتحدة، وقبل أمستردام الهولندية وغيتيسبورغ الأميركية.

وأشارتCNN  إلى أنه في الوقت الذي تجذب فيه مدن مغربية شهيرة مثل مراكش العريقة، والصويرة المعروفة بشاطئها الخلاب ومهرجاناتها الفنية المتنوعة، سياحا من مختلف أنحاء العالم، يغفل الزوار العاصمة السياسية "التي لها مميزاتها التاريخية والثقافية والبيئية المتنوعة".
 
وقال عمدة مدينة الرباط فتح الله ولعلو في اتصال هاتفي مع موقع "راديو سوا"، إن ما ذكرته شبكة CNN مرتبط بقرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ضم عاصمة المغرب إلى قائمة المدن التي تشكل تراثا عالميا وذلك في شهر يوليو/تموز الماضي.

وأضاف ولعلو أن اختيار منظمة اليونسكو للرباط جاء على أساس أن تراث المدينة مقتسم بين سكان المدينة من المغاربة والأجانب، وأنه يعكس مختلف الحضارات التي مرت بالمغرب منذ عهد الرومان، مرورا بالأندلس ووصولا إلى فترة الاستعمار الفرنسي التي تركت بصمات واضحة على عمران المدينة.

فيديو لمدينة الرباط:


وأشار المسؤول المغربي إلى أن مدينة الرباط تشهد تحولات كثيرة، مضيفا أنها اعتبرت في عام 2010 واحدة من بين خمس مدن كبرى في العالم "خضراء" أي صديقة للبيئة، نظرا لغناها بالفضاءات الخضراء مقارنة بعدد سكانها البالغ 1.7 مليون نسمة.

من جهة أخرى، قال ولعلو إن الرباط شهدت في السنوات الأخيرة دينامية تجعل منها إلى جانب العاصمة السياسية للبلاد، "عاصمة للبيئة مرتبطة بقرار عام 2010 كمدينة خضراء، وعاصمة للثقافة والبحث العلمي والجامعات والمعرفة، مما يعطيها الإمكانيات لاستقطاب السياح من الخارج مثل مدينة مراكش أو الصويرة لكن انطلاقا من كونها مدينة عصرية منفتحة على العولمة والحداثة".

وكشف المسؤول المغربي أن هناك عددا من المشاريع الثقافية برزت في الآونة الأخيرة مثل الخزانة الوطنية ومتحف الفنون الحديثة فضلا عن مسرح جديد بالقرب من محمد الخامس أكبر مسارح المغرب، إلى جانب متحف للتاريخ.

وقال إن الوظيفة الثقافية هي التي ستعطي مدينة الرباط خصوصية لاستقطاب ليس السياح الأجانب فحسب بل حتى الزوار المغاربة.

هذا فيديو عن تاريخ مدينة الرباط:


لكن في المقابل يرى الناشط المغربي صلاح أحنشي أن التقرير الذي يتحدث عن أن الرباط ستكون وجهة مفضلة في الفترة القادمة "مجرد دعاية" لاستقطاب عدد متزايد من السياح.

وأضاف قائلا في اتصال مع موقع "راديو سوا"، "بصفتي أحد سكان المدينة أرى أن دعوة السياح لزيارة العاصمة يقتضي أن تواكبها إجراءات عملية تغير من ملامح المدينة سواء من الناحية العمرانية أو من الناحية السلوكية لساكنيها وللذين يزورونها".

وتابع أنه عندما تتم دعوة السياح لزيارة منطقة معينة "فإنك تعدّ لهم منتوجا، تراعي ما ينتظره هذا السائح الجديد أو السائح المفترض بمعنى أنك ستقدم له مجموعة من البدائل قد تكون ثقافية أو تاريخية أو أمنية أو حتى مجموعة من البنيات التحتية تستجيب لتطلعاته ورغباته المفترضة".

وتساءل أحنشي "فهل هناك تحديد مسبق لرغبات السياح المفترضين؟ لا أرى أن هناك أجوبة ميدانية لهذة الأسئلة بقدر ما أراها دعاية مسبقة أو دعاية تنتظر أن يستجيب لها السائح مسبقا ثم ننظر ماذا سنفعل"، مضيفا "برأيي هذه دعوة ناقصة، هي دعوة جميلة جدا لكنها ناقصة".

كما قال إن مشاريع دعم السياحة في المدينة موجودة لكنها مازالت حبرا على ورق أو مجرد مشروعات مفتوحة، وأردف قائلا "هل هذه المشروعات هي التي ستحتضن السائح؟ هل هذه المشروعات ستستجيب لما ينتظره السائح؟ يجب أولا العمل لأجل هذا السائح".

وأشار إلى بعض العراقيل التي قد تقف عقبة أمام إشباع توقعات السياح "بينها الإضرابات التي تشهدها المدينة مثل إضرابات عمال النظافة" وما يترتب عليها، وكذلك "عدم وجود شبكة نقل عمومي كبيرة".

وتابع أن "السائح عندما يحل ضيفا على العاصمة ستكون لديه الرغبة في التجول بحرية في كافة أنحاء المدينة وسيرغب في رؤية أماكن نظيفة ويتنقل بسلاسة".
 
وقال إن "المشاريع تبقى مجرد ورش مفتوحة تقف في وجهها عقبة إضرابات عمالها ربما لأنها لم تدرس بكيفية جيدة وأرى أنها أشياء يجب أن يعاد فيها النظر".

ويسعى المغرب إلى مضاعفة عائدات قطاع السياحة بحلول عام 2020 لتصل إلى أكثر من 140 مليار درهم، مقابل 63 مليار درهم حاليا علما بأن الدولار الأميركي يعادل 8,32 درهم مغربي.

وتشهد المملكة في السنوات الأخيرة مشاريع كثيرة تشمل تشييد طرق سريعة تربط بين مختلف مناطق المغرب وقطارات تراموي في مدينتي الرباط والدار البيضاء فضلا عن أسواق تجارية ومشاريع سياحية عديدة.